*ما هي استراتيجية حـjب الله في الحرب الدائرة غير المتكافئة؟*

*أنور جمعة /نائب سابق*

كيف يدرس حـjب الـله خصمه المدجج بكل وسائل القوة والاستخبار والتقنيات الفائقة التي يزوده بها أكبر قوة عسكرية وتكنولوجية في العالم ويساندونه من ورائها كبريات الدول؟ بأي شيء يتسلح؟ ما هي استراتيجيته؟

يخوض الجولة تلو الأخرى مع الخصم العدو وينهي كل واحدة بفوز يحيّر المحللين والمراقبين. يحسبونه بشرياً يصارع دبّ الغريزلي القطبي (Grizzly) الذي لو أمسك به لمزقه شرّ تمزيق، إلا أنه (أي الحـjب) يصيبه بضربات مؤذية ويتلقى بدوره ضربات مؤذية من عدوه من دون أن يرف له جفن أو يُسمع له أنين، يزفّ الشـ.ـهيد تلو الشـ.ـهيد والقائد تلو القائد، ولا ينكسر ولا تتراجع عزيمته ولا تخور قوته، لا بل يزداد قوة وبأساً كلما ازدادت رحى الحرب ضراوة.. ما سرّه؟

منذ الثامن من تشرين الماضي وهو يمضي في ضرباته المدروسة بعناية عنوانها تعمية العدو، وجعله أصم، فلا يسمح لأي من مراكزه ومرابضه ومواقعه في شمال فلسـ.ـطين المحتلة ان تستعيد نشاطها وعافيتها، طارداً عشرات الآلاف من مستوطنيه الى الداخل حيث يثقلون كاهل حكومة العدو باعباء مالية باهظة لإيوائهم في فنادق تشكو عدم سداد فواتيرها. هل يستفيد الحـjب من انهماك عدوه في حرب غـjة التي لا يعرف كيف يخرج من مستنقعها؟ مع أنه يلقى كل أنواع المساندة من الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية والدول المطبّعة، فلماذا لا يمكن لهذا العـ.ـدو حسم أيٍّ من الجبهتين؟ ولما لا يجرؤ على فتح باب الحرب الكبرى مع المـ.ـقاومـ.ـة على مصراعيه، فينهال عليها بما أوتي من قوة نار تدميرية فتاكة ومهولة، كونه يحوز ترسانة لا يمكن تصورها؟؟؟! ما الذي يمنعه من المبادرة الى إعلان الحرب المفتوحة مع الحـjب؟
ومن جهة المـ.قاومة ما هو سر شجاعة قيادتها وجسارتها وروحية مقاوميها؟ هل ما يُعلن من حسابات الميدان يكفي لنفهم ما الذي يجري على الأرض؟ لا بدّ هناك نقاط تخفيها المـ.ـقاومـ.ـة عن الجميع ، ولا تثيرها أو تلفت إليها لا لجمهورها ولا للعدو. من المعلوم أنها تدرس جيداً الميدان ونقاط قوة وضعف العدو الذي تنازله، ولا تترك للمفاجآت أيَّ مَنفذ الى حساباتها، فهي تعلم جيداً أهمية ما تفعل ومخاطر ما تخوضه، فتوسّع دائرة قوتها كلما وسّع العدوّ عدوانه، مستخدمةً في كل مرة نوعاً جديداً من السلاح، مع الإشارة الى أن ما استخدمته الى الآن لم يصل بعد الى خُمس قدراتها. لو أننا افترضنا أن الأمر مجرد حنكة في إدارة الصراع باستخدام كل أنواع الحيل العسكرية والاستراتيجية والنفسية، لما كفى هذا الافتراض لفهم ما تقوم به من جسارة خارقةٍ للإدراك في معادلةِ صراعٍ قَلّ نظيرها بين غير متكافئَيْن في القدرات العسكرية. هناك حتماً أسرار أخرى لم تُعرف الى الآن ولم تدخل في المعادلات القائمة. حـjبُ الـله يقول إنه يخفي على الدوام مفاجآت ولا يفصح عنها إلا في مراحل معينة من النزال في الميدان بحسب الضرورة التي تملي عليه إدارة المعركة بمقوّمات صمودٍ ونجاحٍ لتحرز النصر النهائي.
يبقى أمر محيّر جداً: نبض التحدي المرتفع الذي تظهره المـ.ـقاومـ.ـة يقترن بثقة عالية تجعلنا لا نركن لتفسير هذا اللغز الى الحيل العسكرية والحرب النفسية.. هل هو "مجرد تحدٍّ أم انه استدراج"؟
فطالما أن المـ.ـقاومـ.ـة واثقة من النصر في هذه المعركة، وتقول إنه حتميّ لا لبس فيه، وأنها لا تهاب توسيع نطاق الحرب وهي مستعدة لها، وأنها أعدت العدّة للأساطيل المساندة للعدو، فمن المؤكد أنها تخفي أكبر المفاجأت التي ستصل إلى قلب الطاولة على رأس الكيان المؤقت، ولكن هذه المرة، ليس فقط بالنقاط.. بل بالضربة القاضية.

أنور جمعة /نائب سابق